Breadcrumb
مؤتمر المناخ يعزز التمويل ويتعهد بالتخطيط للتحول بعيدا عن الوقود الأحفوري

"الاقتصاد الجديد آخذ في الصعود، والموارد تنفد من الاقتصاد القديم المُلوّث" هذه رسالة سيمون ستيل الأمين التنفيذي لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للمناخ في ختام المؤتمر الثلاثين لأطراف الاتفاقية. جاء ذلك بعد مفاوضات ماراثونية في المؤتمر امتدت حتى يوم السبت.
ما الذي تقرر:
يؤكد القرار النهائي على التضامن والاستثمار، ووضع أهداف مالية طموحة، لكنه لم يشمل التخلص من الوقود الأحفوري. يُصدر حرق الوقود الأحفوري غازات دفيئة تُعد، بلا شك، أكبر مساهم في الاحتباس الحراري، مما يجعل هذا الإغفال مصدر قلق للعديد من الدول، بما في ذلك المفاوضون من أمريكا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني.
هذا هو أول مؤتمر للمناخ يعقد في منطقة الأمازون والأول منذ حذرت الأمم المتحدة من أن الزيادة القياسية في مستويات الغازات المسببة للاحتباس الحراري تعني أنه سيكون "من المستحيل تقريبا" الحد من الانحباس الحراري العالمي إلى 1.5 درجة مئوية في السنوات القليلة المقبلة.
خرائط طريق للانتقال في مجال الطاقة ومكافحة إزالة الغابات
رغم الانقسامات الشديدة، توصلت الدول إلى توافق في الآراء بشأن آليات جديدة مُصممة للحفاظ على الاحتباس الحراري ضمن حد 1.5 درجة مئوية مقارنة بعصر مع قبل الصناعة. ومع ذلك، فإن مطلبا رئيسيا من العديد من الوفود ومنظمات المجتمع المدني تمثل في الالتزام الواضح بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري - لم يُدرج في القرار النهائي.
وأكد رئيس مؤتمر المناخ أندريه كوريا دو لاغو، أن غياب هذه القضية لن يعني الجمود. وأعلن أن الرئاسة البرازيلية ستضع "خريطتي طريق" علميتين شاملتين: إحداهما للتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري بشكل منصف وعادل ومنظم، والأخرى لوقف إزالة الغابات. وأضاف أن الخطين سيواصلان التقدم نحو المؤتمر الحادي والثلاثين للمناخ في تركيا.
الحفاظ على الحد الأدنى عند 1.5 درجة في "ظروف جيوسياسية مضطربة"
سلط ستيل الضوء على سلسلة من المكاسب الرئيسية:
- استراتيجيات جديدة لتسريع تنفيذ اتـفاق باريس للمناخ،
- الدفع نحو مضاعفة تمويل التكيف ثلاث مرات،
- والالتزامات بتحقيق انتقال عادل في مجال الطاقة.
ورغم ما أسماه بـ"الوضع الجيوسياسي المضطرب" - الذي اتسم بالاستقطاب وإنكار تغير المناخ - فقد وقفت 194 دولة صفا واحدا، "في الكفاح من أجل كوكب صالح للعيش، بعزم راسخ على إبقاء 1.5 درجة مئوية في متناول اليد".
ويتمثل جوهر هذا الزخم في النتيجة الرئيسية للمؤتمر: "نص موتيراو"، الذي يجمع أربعة مسارات تفاوضية - من التخفيف من آثار تغير المناخ إلى التمويل والحواجز التجارية - في اتفاق واحدة قائم على التوافق. وتم اعتماد ثمانية عشر قرارا إضافيا إلى جانبه.
نقاش الوقود الأحفوري: مُلح، لم يُستكمل، ولا مفر منه
طوال المؤتمر، كانت التوقعات عالية بأن يتضمن القرار النهائي إشارة صريحة إلى التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري. وقد أيدت أكثر من 80 دولة اقتراح البرازيل بوضع "خارطة طريق" رسمية بهذا الشأن.
وتضمنت مسودة القرار هذه الخارطة - حتى الساعات الأخيرة من المحادثات. وتشير الوثيقة المعتمدة فقط إلى "إجماع الإمارات العربية المتحدة"، وهو القرار المعتمد في المؤتمر الثامن والعشرين الذي عُقد في الإمارات ودعا إلى "الانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري".
قبل الجلسة العامة الختامية، حذر العالم البرازيلي كارلوس نوبري المفاوضين من ضرورة خفض استخدام الوقود الأحفوري إلى الصفر بحلول عامي 2040 و2045 على أبعد تقدير، لتجنب ارتفاعات كارثية في درجات الحرارة تصل إلى 2.5 درجة مئوية بحلول منتصف القرن.
وأضاف أن هذا المسار سيعني فقدان جميع الشعاب المرجانية تقريبا، وانهيار غابات الأمازون المطيرة، وتسارع ذوبان الغطاء الجليدي في غرينلاند. ومع ذلك، يُمثل نص فريق العمل إشارات سياسية لم يسبق اعتمادها بتوافق الآراء.
تحوّل عالمي "لا رجعة فيه"
تعلن الوثيقة الختامية أن التحول العالمي نحو تنمية منخفضة الانبعاثات وقادرة على الصمود في وجه تغير المناخ "لا رجعة فيه، وهو اتجاه المستقبل".
وتؤكد الوثيقة مجددا أن اتفاق باريس يحقق نجاحا بالفعل- وشددت على ضرورة تعجيل العمل وتعزيز دور التعاون المناخي متعدد الأطراف.
كما يُقر النص بالفوائد والفرص الاقتصادية والاجتماعية للعمل المناخي، بما في ذلك النمو الاقتصادي، وخلق فرص العمل، وتحسين الوصول إلى الطاقة وأمنها، وتحسين الصحة العامة.
وأشار ستيل إلى اتجاه حاسم: الاستثمارات في الطاقة المتجددة تتجاوز الآن الوقود الأحفوري بمقدار الضعف بما يمثل "إشارة تتعلق بالسياسات والأسواق، لا يمكن تجاهلها".
مكافحة التضليل المناخي
لأول مرة في تاريخ مؤتمرات المناخ، اتفقت الدول على تعزيز "نزاهة المعلومات"، وهو إنجاز بارز لمكافحة التضليل المناخي واستعادة الثقة في العمل المناخي.
خلال المؤتمر، دعمت الأمم المتحدة إصدار إعلان سلامة المعلومات المناخية، الذي أقرته حتى الآن 18 دولة. كما يتضمن جدول أعمال المؤتمر خطوات ملموسة لحماية المعلومات القائمة على الأدلة - ومن ينتجها.
مضاعفة تمويل التكيف المناخي ثلاث مرات
تدعو الوثيقة الختامية المتفاوض عليها إلى بذل جهود لمضاعفة تمويل التكيف مع تغيرات المناخ ثلاث مرات بحلول عام 2035، وحثت الدول المتقدمة على زيادة تمويل المناخ للدول النامية.
كما التزمت الأطراف "بالدفع بشكل عاجل" بالإجراءات اللازمة لتعبئة ما لا يقل عن 1.3 تريليون دولار أمريكي سنويا بحلول عام 2035، من مصادر عامة وخاصة.
سيبدأ أيضا برنامج عمل جديد لمدة عامين بشأن تمويل المناخ، يتناول القضايا المرتبطة بما يتضمنه اتفاق باريس بشأن التزام الدول الغنية بدعم الدول ذات الموارد المحدودة.
سد فجوة الطموح
في ظل القلق واسع النطاق إزاء ضعف المساهمات المحددة وطنيا ( وهي خطة عمل كل دولة في مجال المناخ) تعهدت الدول برفع مستوى الطموح "جماعيا وتعاونيا".
ولهذا الغرض، أطلقت الدول مُسرّع التنفيذ العالمي ومهمة بيليم من أجل 1.5 درجة مئوية، اللذين يهدفان إلى سد فجوات العمل وتعزيز التعاون للحفاظ على هدف الـ 1.5 درجة مئوية.
ويوضح القرار أيضا أن التدابير المناخية، بما في ذلك التدابير أحادية الجانب، "لا ينبغي أن تُشكل وسيلة للتمييز التعسفي أو غير المبرر أو تقييدا مُقنـّعا للتجارة الدولية".
أجندة عمل قوية تتجاوز المفاوضات
أكدت الرئاسة البرازيلية أن نجاح مؤتمر المناخ يتجاوز الاتفاقات المتفاوض عليها، وسلطت الضوء على مجموعة من الالتزامات الطوعية في إطار أجندة العمل، من بينها:
• صندوق الغابات الاستوائية إلى الأبد: جمع 5.5 مليار دولار، ويضم الآن 53 دولة مشاركة؛ وتذهب ما لا يقل عن 20% من الموارد مباشرة إلى الشعوب الأصلية والمجتمعات المحلية.
• خطة عمل بيليم الصحية: أول مبادرة عالمية تستهدف التهديدات الصحية المتعلقة بالمناخ، أُطلقت بمبلغ 300 مليون دولار من 35 منظمة خيرية.
• تحالف يونيزا تعهدت شركات المرافق العامة بتخصيص 66 مليار دولار سنويا للطاقة المتجددة و82 مليار دولار للنقل والتخزين.
• المدن والمناطق والشركات: أفاد تحالف يضم 25 ألف مبنى بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بأكثر من 850 ألف طن في عام 2024.
العدالة المناخية في الصدارة
وافقت الدول على تطوير آلية انتقال عادلة، تعزز التعاون والدعم الفني وبناء القدرات.
وقد أبرزت الموافقة - التي لاقت استحسانا كبيرا في الجلسة العامة الختامية - الدور الحاسم للحركات الاجتماعية في ضمان أن تصبح المساواة ركيزة أساسية في مفاوضات المناخ.
تعليقا على الاتفاق الذي توصل إليه المشاركون في المؤتمر، قال الأمين العام للأمم المتحدة إن ذلك يظهر أن التعددية حية وأن الدول لا تزال قادرة على العمل معا للتصدي للتحديات التي لا تستطيع دولة بمفردها أن تحلها.
الأمين العام أنطونيو غوتيريش قال إن مؤتمر المناخ حقق تقدما ولكنه أضاف: "لا يمكنني التظاهر بأن المؤتمر حقق كل ما كان مطلوبا. إن الفجوة بين المكان الذي نوجد فيه وبين ما يتطلبه العلم، تظل متسعة بشكل خطير. أتفهم أن الكثيرين قد يشعرون بخيبة الأمل، وخاصة الشباب والشعوب الأصلية ومن يعيشون في ظل الفوضى المناخية".
وقال إن ارتفاع درجات الحرارة يعد تحذيرا بالاقتراب من مراحل خطيرة لا يمكن تغييرها. وذكر أن السيطرة على ذلك الارتفاع كيلا يتعدى حد الـ1.5 درجة مئوية يتطلب خفضا كبيرا في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وخططا ذات مصداقية للانتقال بعيدا عن الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة، وضمان العدالة المناخية والزيادة الهائلة في التكيف والصمود.
وفيما اُختتم مؤتمر المناخ، قال الأمين العام إن العمل الشاق لم ينته بعد. وأكد أنه سيواصل الدفع من أجل رفع سقف الطموح وتعزيز التضامن.