تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

فولكر تورك: الفظائع التي تتكشف في الفاشر وصمة في سجل المجتمع الدولي

طفل يجلس بجوار موقد للطهي في طويلة بعد فرار عائلته من الفاشر.
© UNICEF/Mohammed Jamal
طفل يجلس بجوار موقد للطهي في طويلة بعد فرار عائلته من الفاشر.
عقد مجلس حقوق الإنسان، اليوم الجمعة، جلسة خاصة بشأن حالة حقوق الإنسان في الفاشر وما حولها، واعتمد قرارا طلب فيه من البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان إجراء تحقيق عاجل في مزاعم الانتهاكات الأخيرة للقانون الدولي التي ارتكبت في الفاشر وما حولها.

وفي كلمته خلال الجلسة الخاصة، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إن الفظائع التي تتكشف في الفاشر "كانت متوقعة وكان من الممكن الحيلولة دون وقوعها - لكنها لم تُمنع"، مضيفا أنها تُشكل "أخطر الجرائم".

وقال المفوض السامي إن مكتبه أصدر تحذيرات متكررة بشأن الوضع في عاصمة شمال دارفور خلال العام الماضي، "لذا لا ينبغي لأحد منا أن يفاجأ بالتقارير التي تفيد بأنه منذ سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر، كانت هناك عمليات قتل جماعي للمدنيين؛ وعمليات إعدام مستهدفة قبليا؛ وعنف جنسي بما في ذلك الاغتصاب الجماعي؛ وعمليات اختطاف مقابل فدية؛ واعتقالات تعسفية واسعة النطاق؛ وهجمات على المرافق الصحية والطاقم الطبي والعاملين في المجال الإنساني؛ وغيرها من الفظائع المروعة".

وقال المفوض السامي إن نمط الجرائم تم توثيقه مرارا وتكرارا في الصراع في السودان. وأضاف: "في حين تم تصوير بقع الدم على الأرض في الفاشر من الفضاء، تبقى الوصمة المسجلة في تاريخ المجتمع الدولي أقل وضوحا لكنها ليست أقل إدانة".

من الأرشيف: فولكر تورك، المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
UN Human Rights Council/Marie Bambi

"العدالة ستنتصر"

وقال السيد تورك إن على المجتمع الدولي واجبا واضحا يتمثل في ضمان حصول المدنيين في الفاشر على المساعدات الإنسانية والحماية، كما يتعين عليه التصدي لهذه الفظائع - التي تمثل "عرضا صارخا للقسوة المُستخدمة لإخضاع شعب بأكمله والسيطرة عليه".

كما شدد على ضرورة تضافر الجهود لمحاسبة جميع المسؤولين عن انتهاكات القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان في سياق النزاع في السودان. وأشار إلى أن مكتبه يجمع أدلة على الانتهاكات، وأن المحكمة الجنائية الدولية تتابع الوضع عن كثب، وقال: "على جميع المتورطين في هذا النزاع أن يعلموا: نحن نراقبكم، والعدالة ستنتصر".

وحث السيد تورك المجتمع الدولي على اتخاذ إجراءات ضد الأفراد والشركات التي تُؤجج الحرب وتستفيد منها، ودعا مجلس الأمن إلى إحالة الوضع في السودان ككل إلى المحكمة الجنائية الدولية على وجه السرعة.

وأكد المفوض السامي أن السودان قائم على تنوع شعبه، لكن الحرب تمزق نسيجه الاجتماعي، وستمتد عواقب ذلك لأجيال. وناشد جميع أطراف النزاع وضع بلدهم وشعبهم في المقام الأول، والانخراط في مفاوضات سلام جادة، وهدن إنسانية، والانتقال إلى حكم مدني شامل. وحثّهم على الوفاء بالتزاماتهم بموجب القانون الدولي لضمان حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية.

الأطفال الذين فروا من العنف في الفاشر يتلقون اللوازم المدرسية في طويلة.
© UNICEF/Mohammed Jamal

"مسرح جريمة"

من جانبها، قالت منى رشماوي، عضوة البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في السودان إن جزءا كبيرا من مدينة الفاشر أصبح الآن "مسرحا للجريمة"، مضيفة أن تحقيقا شاملا مطلوب لتوضيح الصورة الكاملة "لكن ما نعرفه بالفعل مدمر".

وأضافت: "وصف الناجون الجثث المتراكمة في الشوارع وفي الخنادق المحفورة داخل المدينة وحولها، وتؤكد رواياتهم أدلة رقمية موثقة تُعزز حجم وخطورة هذه الجرائم".

وقالت إنه على الرغم من التحذيرات المتكررة، "فإن أسوأ سيناريو قد تحقق الآن"، مضيفة أن الجرائم المرتكبة ليست مخفية، بل "مصورة ومتداولة، بل ومُمجّدة".

وأضافت السيدة رشماوي أن بعثة تقصي الحقائق تُحقق حاليا في فظائع مماثلة في كردفان، حيث يُحاصر المدنيون، وتُمنع المساعدات، وتبدأ المجاعة في الظهور "مما يُهدد بفاشر أخرى".

وأضافت: "الأهوال المتكشفة هي نتيجة مباشرة لعقود من الإفلات من العقاب. ويمكن، بل يجب، إيقافها الآن. من يدعمون ويمولون ويسلحون هذه الآلة الوحشية يملكون القدرة والواجب لوقفها. وتتحمل الدول ذات النفوذ مسؤولية خاصة. يجب أن تطال العدالة الأفراد والكيانات التي تقف وراء هذه الجرائم".

وأكدت السيدة رشماوي أن الشعب السوداني قد عانى معاناة لا يمكن وصفها خلال هذا الصراع المستمر، مضيفة: "ما يحتاجونه الآن، وما يقتضيه القانون الدولي، هو وضع حد لإراقة الدماء، وتوفير الحماية الفورية، وإتاحة سبيل موثوق للعدالة".

الأشخاص الذين فروا من الصراع في الفاشر في دارفور يقيمون في ملاجئ في طويلة.
© UNOCHA/Mohamed Elgoni

دعوة لمضاعفة الجهود لإسكات البنادق في السودان

بدوره، قال أداما ديانغ، المبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي المعني بمنع الإبادة الجماعية والفظائع الجماعية إن الاتحاد الأفريقي دعا المجتمع الدولي إلى مضاعفة جهوده لإسكات البنادق في السودان من خلال حوار شامل وانخراط دبلوماسي فاعل. 

وطالب بالوقف الفوري لتدفق الأسلحة والمقاتلين إلى السودان، الذي قال إنه يُسهم بشكل مباشر في الاستهداف الممنهج لمجموعات هوية محددة، وفي تفاقم الوضع المتردي أصلا في البلاد. وأضاف أن هذه الجلسة تُمثل نقطة تحول، ودعوة حاشدة للتضامن الإنساني والواجب المشترك.

مجلس حقوق الإنسان يتبنى قرارا بشأن الفاشر

وتبنى مجلس حقوق الإنسان قرارا بشأن حالة حقوق الإنسان في الفاشر وحولها، في سياق النزاع المستمر في السودان. وفي القرار الذي اعتُمد دون تصويت، أدان المجلس بشدة تصاعد العنف والفظائع المبلغ عنها التي ارتكبتها قوات الدعم السريع والقوات المرتبطة والمتعاونة معها في الفاشر وحولها، عقب هجومها على المدينة، بما في ذلك الفظائع واسعة النطاق مثل عمليات القتل ذات الدوافع العرقية، والتعذيب، والإعدامات بإجراءات موجزة، والتجنيد القسري، والاحتجاز التعسفي للمدنيين، فضلا عن الاستخدام الواسع النطاق للاغتصاب والأشكال الأخرى من العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي كسلاح في الحرب.

وطلب القرار من بعثة تقصي الحقائق الدولية المستقلة بشأن السودان إجراء تحقيق عاجل، بما يتفق مع ولايتها، في الانتهاكات والتجاوزات الأخيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الإنساني الدولي التي يُزعم ارتكابها في الفاشر وحولها.

وطلب القرار أيضا من بعثة تقصي الحقائق تحديد جميع المسؤولين الذين توجد أسباب معقولة للاعتقاد بأنهم مسؤولون عن الانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان في الفاشر وحولها، حيثما أمكن، ودعم الجهود الرامية إلى ضمان مساءلة مرتكبي الانتهاكات والتجاوزات المزعومة.

في هذا الفيديو أدناه يمكنكم متابعة تفاصيل الجلسة الخاصة لمجلس حقوق الإنسان من موقع البث الشبكي للأمم المتحدة - بالترجمة الفورية إلى العربية.

100 ألف شخص فروا من الفاشر

وفقا لمفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، فرّ ما يقرب من مئة ألف شخص من الفاشر والقرى المجاورة لها خلال الأسبوعين الماضيين فقط.

وقالت جاكلين ويلما بارليفليت، رئيسة المكتب الفرعي للمفوضية في بورتسودان إن هؤلاء الأشخاص "محاصرون في مكان ما"، مضيفة أن العائلات التي وصلت إلى طويلة، على بعد حوالي 50 كيلومترا من الفاشر، روت "أهوالا لا تُصدق" قبل فرارها من المدينة وبعده.

وفي إحاطة للصحفيين في جنيف عبر الفيديو، سلّطت السيدة بارليفليت الضوء على تقارير واسعة النطاق عن حالات اغتصاب وعنف جنسي ومشاهد يائسة.

وأوضحت مسؤولة المفوضية: "يبحث الآباء عن أطفالهم المفقودين، وكثير منهم مصابون بصدمات نفسية بسبب النزاع والرحلة الخطرة للوصول إلى بر الأمان. ونتيجة عجزهم عن دفع الفدية، فقدت عائلات أقاربها الشباب الذكور بسبب الاعتقالات أو التجنيد القسري لدى الجماعات المسلحة".

وأكدت السيدة بارليفليت أن آلاف الأشخاص، وخاصة كبار السن وذوي الإعاقة والجرحى، لا يزالون محاصرين، "إما بسبب منعهم من مغادرة المدينة أو افتقارهم إلى الوسائل أو القوة اللازمة للفرار".

أزمة ذات أبعاد مذهلة

من جانبها، قالت دائرة الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام إن الأشخاص الذين يحاولون العودة إلى ديارهم في أماكن أخرى من البلاد يواجهون خطرا كبيرا يتمثل في الذخائر غير المنفجرة، ففي ولايات جنوب كردفان وغرب كردفان والنيل الأزرق وحدها، هناك 13 مليون كيلومتر مربع من الأراضي ملوثة.

في حديثه من بورتسودان، قال رئيس الدائرة في البلاد صديق راشد إن معظم القتال يدور في المناطق الحضرية، مضيفا أن المخاطر في العاصمة الخرطوم تتراوح بين الذخائر غير المنفجرة والمتروكة، والألغام المضادة للمركبات والأفراد.

وأضاف أن العائلات النازحة معرضة للخطر بشكل خاص، وغالبا ما تستقر في أماكن غير مألوفة "دون أي وعي بالنزاعات السابقة أو التلوث".

في الوقت نفسه، أكد راشد أن عدد الضحايا المدنيين جراء الألغام والذخائر غير المنفجرة الأخرى يستمر في الارتفاع - "ونعلم أن الحالات المبلغ عنها لا تمثل سوى جزء ضئيل من الحجم الحقيقي للضرر"، على حد قوله.