Breadcrumb
  نافي بيليه تتقاعد بعد عقود من الدفاع عن حقوق الإنسان والسعي لتحقيق العدالة

بدأت رحلتها بعيدا عن أروقة الأمم المتحدة في عائلة متواضعة - من أصول هندية - في جنوب أفريقيا إبان حقبة الفصل العنصري.
في حوار حصري مع أخبار الأمم المتحدة، قالت السيدة بيليه: "نشأنا فقراء للغاية. كان والدي سائق حافلة، وكنا سبعة أطفال. أروي هذه القصة لأن معظم الناس يفترضون أنه في بلدي، إذا كنت هنديا، فأنت أفضل حالا من الأفارقة. كنا جميعنا فقراء، وكنا نكافح معا".
بداية مسيرتها الحقوقية
كانت بيليه أول امرأة لا تنتمي للعرق الأبيض تفتح مكتب محاماة خاص بها في جنوب أفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري، حيث دافعت عن نشطاء حقوق الإنسان وسجناء سياسيين محرومين من حقوقهم القانونية الأساسية.
وقالت إن تجاربها في تلك السنوات جعلتها تؤمن إيمانا راسخا بقوة العمل الجماعي في وقف الظلم، تماما كما اتخذ "العالم أجمع" إجراءات جماعية لإنهاء الفصل العنصري في بلدها.
وأضافت: "لم أكن أعتقد أن الفصل العنصري سينتهي في حياتي. فماذا حدث؟ لقد حظينا بدعم جماعي من جميع أنحاء العالم، حتى الأطفال. إذا استطعنا تحقيق ذلك، نستطيع أن يكون لدينا نظام أفضل لحماية حقوق الإنسان".
المساءلة في روندا
وشكلت تجربتها في مكافحة الفصل العنصري إيمانها بالتضامن الدولي - وهو إيمان حملته معها في منصبها بصفتها قاضية في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، حيث ساهمت في إرساء سوابق قانونية جديدة في مكافحة الإبادة الجماعية والعنف القائم على النوع الاجتماعي.
واستذكرت تلك التجربة قائلة: "كان العمل في محكمة رواندا صعبا للغاية، فقد كانت منطقة ريفية. عندما ذهبنا لأول مرة، لم يكن هناك مصرف أو متجر كبير، ولا عناوين بريدية. اشتكيت مرارا وتكرارا من ذلك، حتى بدأت الاستماع إلى الشهود. سألت نفسي ما الذي أشكو منه وهم قد مروا بكل هذه المعاناة؟"
في المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، ترأست بيليه قضايا بارزة، من بينها أول قضية في القانون الدولي تُقرّ بالاغتصاب كعمل من أعمال الإبادة الجماعية. وساهم عملها هناك في إعادة تعريف الفهم العالمي للمساءلة والعدالة لضحايا الفظائع الجماعية.
مؤسسات ترقى إلى التوقعات
أدى نجاحها في رواندا إلى تعيينها قاضية في المحكمة الجنائية الدولية، ثم في عام 2008 عُينت مفوضة سامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان. في جنيف، واصلت دعم مشاركة المجتمع المدني وأصوات الضحايا في صياغة معايير حقوق الإنسان العالمية.
أوضحت السيدة بيليه أنه عندما تأسست الأمم المتحدة، "كانت مجرد نادٍ للدول"، وأكدت أن كل ما لدينا اليوم من جهود لحماية حقوق الإنسان، وجميع المؤسسات، بما في ذلك مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان، "لم يتحقق لمجرد أن الدول استيقظت يوما ما وقالت: علينا بذل مزيد من الجهود لحماية حقوق الإنسان".
وشددت على أن هذه المكاسب "نابعة من ضغط المجتمع المدني، لهذا السبب أُقدّر هذه المؤسسات، وأشعر بمسؤولية جعلها تعمل بما يتماشى مع توقعات الناس".
صرحت بيليه لأخبار الأمم المتحدة بأنها غالبا ما كانت تشعر بالإحباط أثناء تولي مصب المفوضة السامية بسبب عمل الهيئة الأممية الأقوى: مجلس الأمن الدولي.
وقالت: "حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن أمر محبط للغاية. وظيفته هي ضمان السلام، ومع ذلك تحدث الصراعات وعمليات القتل دون أي تدخل. إنه نظام معيب، لكنه لا يزال أفضل ما لدينا اليوم".
"الإبادة في غزة"
واصلت بيليه مواجهة القضايا الصعبة في منصبها الأخير إذ تولت رئاسة لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وإسرائيل.
وقالت إن التصريحات التي أدلى بها كبار السياسيين الإسرائيليين في سياق أحداث غزة "ترقى إلى مستوى التحريض على الإبادة الجماعية"، مشيرة إلى أن اللجنة قد فصّلت الانتهاكات الجسيمة في القطاع ودعت إلى المساءلة على أعلى المستويات.
وكانت اللجنة قد خلصت إلى أن إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب 4 أعمال إبادة جماعية في غزة "بقصد محدد لتدمير الفلسطينيين في غزة"، وأن الرئيس الإسرائيلي، ورئيس الوزراء، ووزير الدفاع السابق قد حرضوا على ارتكاب إبادة جماعية.
واجهت السيدة بيليه انتقادات من بعض الحكومات والشخصيات السياسية التي اتهمها بالتحيز - وهي اتهامات رفضتها باستمرار. وعن هذا، قالت لأخبار الأمم المتحدة: "أفضّل أن يخبرنا منتقدونا أي جزء من الأدلة [التي وثقتها اللجنة] كاذب، ولماذا؟".
وأشارت إلى أن الكثير من المعلومات التي قدمتها اللجنة تم الحصول عليها "من أشخاص داخل إسرائيل"، ودعت الناقدين إلى التفاعل مع الأدلة بدلا من التشكيك في دوافعها.
مسيرة نافي بيليه المهنية شكلت معلما بارزا في النضال العالمي من أجل حقوق الإنسان العالمية، بدءا من مكافحتها للفصل العنصري ووصولا إلى دفاعها عن المدنيين في مناطق النزاع.
وفي كل فصل من فصول حياتها المهنية، لم تتردد أبدا في قول الحقيقة في مواجهة السلطة، ومناصرة مبدأ أن حقوق الإنسان ملك للجميع في كل مكان.