تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

لجنة أممية مستقلة: إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية في غزة وعلى الدول الأعضاء ضمان العدالة والمساءلة

مشهد لشارع في غزة.
UN News
مشهد لشارع في غزة.
حثت لجنة تحقيق دولية مستقلة تابعة للأمم المتحدة الدول الأعضاء على استخدام كافة الوسائل المتاحة لضمان استمرار وقف الأعمال العدائية وتقديم دعم دولي واسع النطاق لحق الفلسطينيين في تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية.

اللجنة* كانت قد نشرت تقريرا في 16 أيلول/سبتمبر الماضي وخلصت فيه إلى أن إسرائيل ارتكبت إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة. وحثت إسرائيل وجميع الدول على الوفاء بالالتزامات القانونية بموجب القانون الدولي "لإنهاء هذه الإبادة الجماعية ومعاقبة المسؤولين عنها".

واليوم الثلاثاء، قدمت اللجنة - المُشكلة من مجلس حقوق الإنسان - التقرير ذاته إلى اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة التي تضطلع بالشؤون الاجتماعية والإنسانية والثقافية، ويتركز جزء كبير من عملها على دراسة القضايا المتعلقة بحقوق الإنسان.

وفي كلمة مسجلة بالفيديو بثت في الجلسة، قالت نافي بيليه رئيسة اللجنة إنه يتعين على الدول الأعضاء أيضا توجيه اهتمامها نحو ضمان العدالة والمساءلة لجميع الضحايا، من خلال دعم المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقاتها، واستخدام الولاية القضائية العالمية لإجراء تحقيقاتها الخاصة، بما في ذلك تحقيقات مواطنيها مزدوجي الجنسية المشتبه بارتكابهم جرائم.

لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلة - بما في ذلك القدس الشرقية - وبإسرائيل نشرت الشهر الماضي تحليلا قانونيا لسلوك إسرائيل في قطاع غزة عملا باتـفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها. 

وخلصت فيه إلى أن "دولة إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب أربعة أفعال إبادة جماعية في غزة بقصد محدد هو تدمير الفلسطينيين" في القطاع. ووجدت اللجنة أيضا أن "الرئيس الإسرائيلي ورئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق قد حرضوا على ارتكاب الإبادة الجماعية".

بالإضافة إلى النتائج المتعلقة "بالإبادة الجماعية"، يفحص التقرير الانتهاكات والتطورات المتعلقة بالأرض والإسكان في الأرض الفلسطينية المحتلة وفي إسرائيل.

فيما يتعلق بغزة، وجدت اللجنة أن المسؤولين الإسرائيليين قد أظهروا نية واضحة ومتسقة لإنشاء سيطرة عسكرية دائمة على غزة وتغيير تركيبتها الديموغرافية. و"تم تدمير البنية التحتية المدنية والموارد الطبيعية الأساسية لبقاء السكان المدنيين في الممرات والمنطقة العازلة، وتم تفتيت الأرض، ونقل الفلسطينيين قسرا. وقد أيد المسؤولون الإسرائيليون علنا خططا لترحيل السكان وبناء المستوطنات وضم الأرض" وفق تقرير اللجنة المستقلة.

وقالت بيليه إن وقف إطلاق النار "وعلى الرغم من أنه قد يؤجل تنفيذ الأهداف الإقليمية لإسرائيل في غزة، إلا أن التغييرات الإقليمية التي أُجريت على قطاع غزة لم يتم التراجع عنها بعد".

وذكرت أن التصريحات الأخيرة للمسؤولين الإسرائيليين "توضح أن هذه الأهداف تظل راسخة بقوة. ويؤكد هذا الخطاب المستمر قلقنا العميق والمتواصل".

الضفة الغربية

في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، قالت بيليه إن السياسات والإجراءات الإسرائيلية المنفذة منذ أكتوبر 2023 - بما في ذلك "الدعم الصريح والضمني للأعمال الإجرامية للمستوطنين العنيفين - تظهر نية واضحة لنقل الفلسطينيين قسرا، وتوسيع الوجود المدني اليهودي الإسرائيلي، وضم غالبية الضفة الغربية". والهدف، حسبما قالت، "هو منع أي احتمال لتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية والإبقاء على الاحتلال لأجل غير مسمى".

وقالت بيليه: "يؤلمني أنه في عرضي الأخير بوصفي رئيسة لهذه اللجنة، فشل النظام متعدد الأطراف لما بعد الحرب العالمية الثانية في منع هذه الإبادة الجماعية. لقد تبين قصور النظام الدولي".

إسرائيل

ممثلة إسرائيل في الجلسة قالت إن بلادها تخوض حربين منذ 7 أكتوبر: "واحدة من أجل أمننا، والأخرى من أجل الحقيقة".

وقالت إن اللجنة المستقلة أصبحت "مشاركا فاعلا في الجانب الخاطئ من التاريخ"، مشيرة إلى أن أن "تقارير اللجنة ليست تحقيقات محايدة؛ بل تشكل جزءا مما تطلق عليه حماس نفسها 'حملة الإبادة الجماعية'، وهو جهد متعمد لمحو جرائم حماس وتصوير إسرائيل، ضحية الإرهاب، على أنها المعتدي".

وقالت إن اللجنة ومنذ إنشائها عام 2021، "لم تسترشد بالعدالة، بل بالتحيز"، مشيرة إلى أن الولاية التأسيسية للجنة "لم تذكر حماس بكلمة واحدة، حتى في الوقت الذي كانت فيه آلاف الصواريخ تتساقط على المنازل الإسرائيلية. لم يكن هذا الإغفال إهمالا، بل كان تصميما متعمدا. إنه تحقيق دائم لا نهاية له، ولا مساءلة، ولا موضوعية".

وقالت إن هذا التقرير "مليء بالتشويهات الوقائعية، والانتقائية في المصادر، والخطاب التحريضي، مستبدلا المهنية بالدعاية". وتابعت قائلة: "بعد أربع سنوات من التقارير المنحازة بشدة، أثبتت اللجنة أنها ليست آلية تحقيق محايدة، بل هي أداة سياسية، شيطنت إسرائيل، وفشلت تماما في المساهمة في السلام أو التفاهم".

وبعد مداخلات الدول الأعضاء المشاركة في الجلسة، علقت نافي بيليه رئيسة اللجنة قائلة: "استنتاجنا بحدوث إبادة جماعية لن يزول لمجرد وجود وقف لإطلاق النار. يجب أن تكون هناك عدالة ومساءلة وتحقيقات. صحيح أن قرار مـحكمة العدل الدولية، عندما يصدر، سيكون الأكثر حجية، ولكن حتى يصدروا قرارهم، نحن كهيئة تابعة للأمم المتحدة نتمسك باستنتاجاتنا. لقد دعمنا نتائجنا بقدر كبير من الأدلة التي تثبت أنه التصريح الأكثر حجية بأن الإبادة الجماعية قد حدثت وما زالت تحدث".

فلسطين

ممثلة فلسطين في الجلسة قالت إنه وعلى مدى العامين الماضيين، "لم يكن هناك نقص في التقارير أو المعلومات حول الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة وتسليح المساعدات الإنسانية. ولم يكن هناك نقص في الدعوات لوقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن أيضا".

وأوضحت أن ما كان مفقودا هو الضغط الهادف لتحقيق وقف إطلاق النار. وأعربت عن امتنانها وتقديرها لجهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالتعاون مع مصر وقطر وتركيا، لتحقيق وقف إطلاق النار.

وقالت إن العامين الماضيين "جلبا العديد من خيبات الأمل والعديد من التساؤلات: ما هي العتبة؟ كم عدد المدنيين الذين يجب أن يموتوا قبل الدعوة أو العمل من أجل وقف إطلاق النار؟"

وتابعت: "في 8 تشرين الأول/أكتوبر 2023، حذرنا من أنه سيكون انتقاما جماعيا ضد السكان بالكامل في قطاع غزة، وحثثنا على التدخل الذي يضمن حماية المدنيين. وها نحن بعد عامين، السكان المدنيون بأكملهم مستهدفون، نازحون، يتضورون جوعا، ومحاصرون".

وأكدت أن المساءلة هي السبيل للمضي قدما من أجل كسر حلقة الانتقام وتحقيق الوعد بالسلام العادل والدائم.

وشددت على ضرورة أن تشمل إجراءات المساءلة أيضا "المستوطنين الذين، وفيما نحن نتحدث الآن، يحرقون أشجار الزيتون في الضفة الغربية، ويرعبون المزارعين، ويغزون القرى ويحرقونها، ويقتلون الأطفال، ويضربون الرجال والنساء، ويهاجمون المساجد والكنائس، بتمكين وحماية من قوات الاحتلال الإسرائيلي. يجب على العالم أن يتحرك الآن".

المقررة المستقلة فرانشيسكا ألبانيز

تحدثت في نفس الجلسة - عن بُعد عبر الفيديو - مقررة** الأمم المتحدة المستقلة المعنية بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة فرانشيسكا ألبانيز. 

قالت ألبانيز إنه من خلال أفعال غير قانونية وتقصير مُتعمد، "قامت دول كثيرة بتسليح وتمويل وحماية نظام الفصل العنصري الإسرائيلي المسلح في الأرض الفلسطينية المحتلة، مما سمح لمشروعها الاستيطاني الاستعماري بالتحول إلى إبادة جماعية".

وفي كلمتها أمام اللجنة الثالثة، تحدثت المقررة الخاصة عما ورد في تقريرها الجديد بشأن الوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة الذي حمل عنوان "إبادة غزة: جريمة جماعية".

وقالت ألبانيز: "المحافل الدولية استخدِمت لتبرير تلك الإبادة الجماعية والترويج لها، بنزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين، وإضفاء الشرعية على ادعاء إسرائيل الزائف بأنها تتصرف دفاعا عن النفس، واستخدام حق النقض ضد وقف إطلاق النار، وتقويض العدالة الدولية".

ونبهت إلى أن وصف وقف إطلاق النار بأنه "خطة سلام" مع السماح باستمرار الاحتلال والقتل ليس دبلوماسية، "بل إنه ازدواجية في التعبير، تجرد الفلسطينيين من سلطتهم بفرض شروط ظالمة وغير قانونية عليهم".

وألقت ألبانيز كلمتها من مدينة كيب تاون في جنوب أفريقيا، بعد أن منعتها العقوبات الأمريكية من الحضور إلى نيويورك لتقديم تقريرها.

"استخدام المساعدات كسلاح"

وأشارت المقررة الخاصة إلى أن "الأسلحة والاستخبارات والتدريبات المشتركة غذت آلة الإبادة الجماعية"، مضيفة أن الولايات المتحدة وحدها مسؤولة عن ثلثي واردات إسرائيل من الأسلحة في السنوات الأربع الماضية.

وقالت كذلك إن "التجارة مع إسرائيل، استمرت، بل ونمت"، مشيرة إلى أنه "في حين فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا بعد غزوها لأوكرانيا بفترة وجيزة، إلا أنها لا تزال الشريك التجاري الرئيسي لإسرائيل حتى بعد عامين من الإبادة الجماعية".

ولفتت أيضا إلى "استخدام المساعدات كسلاح"، مشيرة إلى أن الإغلاق الإسرائيلي غير القانوني لقطاع غزة لم يواجه أي اعتراض يذكر، وأنه تم التغاضي عن الهجمات على وكالة الأونـروا، وأن "ما يسمى مؤسسة غزة الإنسانية، حولت توزيع المساعدات إلى ساحات قتل لآلاف الفلسطينيين الجائعين والعزل".

وقف إطلاق نار دائم

وقالت ألبانيز إنه يتعين على الدول ضمان وقف إطلاق نار دائم في غزة، وانسحاب إسرائيلي كامل من كل شبر من الأرض الفلسطينية المحتلة، وتفكيك المستعمرات.

ودعت كذلك إلى تعليق جميع العلاقات العسكرية والتجارية والدبلوماسية مع إسرائيل "حتى تتوقف عن ارتكاب جرائم الإبادة الجماعية والاحتلال غير القانوني والفصل العنصري وتعالجها".

وشددت كذلك على أنه "يجب التحقيق مع جميع من خدموا في الجيش الإسرائيلي خلال هذه الإبادة الجماعية، ومحاكمتهم إذا لزم الأمر".

وقالت إنه إذا ظل مجلس الأمن عاجزا، فينبغي للجمعية العامة أن تتحرك تحت مظلة قرارها "الاتحاد من أجل السلام" (لعام 1950) بطرق أكثر حزما.

فلسطين

ممثلة فلسطين قالت إن الدولتين واقع قائم بالفعل، والاعتراف بدولة فلسطين هو اعتراف بهذا الواقع، وليس صانعا له، مضيفة أنها "الخطوة الأولى الهادفة نحو تحقيق حريتنا واستقلالنا".

وقالت إن "التاريخ يظهر لنا أن محو الأمم من وطنها نهائيا وبشكل كامل هو وهم، ولكنه يسبب ألما لا يُصدق وندوبا وندما لا يفارق أحدا".

وأكدت أن الشعب الفلسطيني يريد الحرية والكرامة والاستقلال والعدالة والسلام والحياة، "ويريد أن يعيش ويرى أطفاله يكبرون في وطنهم، أحرارا من الاحتلال والإذلال والقهر".

ورحبت باعتماد إعلان نيويورك، داعية إلى تنفيذه بالكامل. وقالت: "إنه خير مثال على ما يمكن للمجتمع الدولي أن يقدمه جماعيا في أوقات الظلام واليأس".

وأعربت عن الامتنان للأمم المتحدة ودول العالم، ومنظمات حقوق الإنسان، ووسائل الإعلام، والمؤسسات على "التضامن الفريد الذي يجسد الوعي الحق الذي يبقينا سائرين على الطريق السلمي والعادل".

إسرائيل

المندوب الدائم لإسرائيل لدى الأمم المتحدة داني دانون انتقد المقررة الخاصة قائلا إنها "دأبت على نشر معاداة السامية"، وإنها "استغلت منصبها في الأمم المتحدة لنشر الكراهية".

وانتقد دانون تقرير المقررة الخاصة واصفا إياه بأنه "منحاز ويفتقر إلى أي أساس قانوني أو واقعي موثوق. لقد استخدمت كلمة إبادة جماعية التي ولِدت من رماد المحرقة، وحولتها إلى سلاح، ليس للدفاع عن ضحايا التاريخ، بل لمهاجمتهم".

وقال دانون موجها كلامه للمقررة الخاصة: "كلماتك لا قوة لها، ولن يكون لتقريرك أي تأثير".

وشدد السفير الإسرائيلي على أنه "لن يخيب أي تقرير آمال شعب دولة إسرائيل. سنظل ملتزمين بضمان سلامة شعبنا، وإعادة جميع رهائننا إلى ديارهم، وتعزيز السلام الحقيقي في المنطقة".

وفي ردها على انتقادات السفير الإسرائيلي الذي اتهمها بأنها "تمارس السحر"، قالت ألبانيز: "كن على يقين، لو كنت أملك القدرة على صنع التعاويذ، لما كنت استخدمتها للانتقام، بل سأستخدمها لوقف جرائمكم نهائيا، ولأضمن إيداع المسؤولين (عنها) السجن. وسأضمن أن يعيش الجميع، من النهر إلى البحر، سواء اليهود أو المسلمين أو المسيحيين أو العلمانيين، بحرية ويتمتعون بحقوقهم، وألا تكون الامتيازات للقلة".


*أُنشئت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، وبإسرائيل من قِبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 27 مايو/أيار 2021 "للتحقيق داخل الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وداخل إسرائيل في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي الإنساني وجميع الانتهاكات والتجاوزات المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان التي سبقت 13 أبريل/نيسان 2021 ووقعت منذ هذا التاريخ ".

وطلب القرار A/HRC/RES/S-30/1 أيضا من لجنة التحقيق "التحقيق في جميع الأسباب الجذرية الكامنة وراء التوترات المتكررة وعدم الاستقرار وإطالة أمد الصراع، بما في ذلك التمييز والقمع الممنهج على أساس الهوية الوطنية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية".

**يشار إلى أن المقررين الخاصين والخبراء المستقلين، يعينون من قبل مجلس حقوق الإنسان في جنيف وهو جهة دولية مسؤولة عن تعزيز وحماية حقوق الإنسان حول العالم. ويكلف المقررون والخبراء بدراسة أوضاع حقوق الإنسان وتقديم تقارير عنها إلى مجلس حقوق الإنسان. وتجدر الإشارة إلى أن هذا المنصب شرفي، فلا يعد أولئك الخبراء موظفين لدى الأمم المتحدة ولا يتقاضون أجرا عن عملهم.