Breadcrumb

لأول مرة: تأكيد حدوث المجاعة في محافظة غزة وتوقعات بامتدادها إلى مناطق أخرى خلال أسابيع

التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي قال إن أكثر من نصف مليون شخص في قطاع غزة يواجهون ظروفا كارثية أي المرحلة الخامسة من التصنيف*، ومن خصائصها الجوع الشديد والموت والعوز والمستويات الحرجة للغاية من سوء التغذية الحاد.
وذكر التصنيف أن 1.07 مليون شخص آخر (54% من السكان) يواجهون المرحلة الرابعة وهي مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد "الطارئ". ويواجه 396 ألفا (20% من السكان) المرحلة الثالثة وهي مرحلة انعدام الأمن الغذائي الحاد "الأزمة".
التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي هو مبادرة عالمية تضم وكالات من الأمم المتحدة وشركاء إقليميين ومنظمات إغاثة. ويُصنف انعدام الأمن الغذائي في خمس مراحل، أشدها المجاعة التي تأتي في المرتبة الخامسة.
ويتوقع التصنيف تدهور الأوضاع في غزة في الفترة بين منتصف آب/أغسطس حتى نهاية أيلول/سبتمبر 2025 لتمتد المجاعة إلى دير البلح وخان يونس.
وخلال هذه الفترة يُتوقع أن يواجه نحو ثلث السكان (641 ألف شخص) ظروفا كارثية وهي المرحلة الخامسة للتصنيف. كما يُتوقع أن يستمر تفاقم سوء التغذية الحاد بشكل سريع.
وقالت وكالات الأمم المتحدة إن التطورات الأخيرة، بما فيها تصاعد القتال وتكرار النزوح وتشديد الحظر على الوصول الإنساني، فاقمت الوضع الإنساني.
وذكرت أن الأثر التراكمي لتلك العوامل دفع غزة إلى كارثة غير مسبوقة حيث يُقيد بشدة وصول غالبية السكان إلى الغذاء والمياه النظيفة والخدمات الأساسية.
ويُعد ذلك أسوأ تدهور للوضع منذ أن بدأ التصنيف تحليل انعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية في غزة، والمرة الأولى التي يتم فيها تأكيد حدوث مجاعة بشكل رسمي في منطقة الشرق الأوسط.
وأكدت الأمم المتحدة ضرورة وقف المجاعة بكل السبل، وشددت على أهمية وقف إطلاق النار للسماح بالوصول الإنساني واسع النطاق وبدون عوائق لإنقاذ الأرواح.
كارثة من صنع البشر
الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال إن حدوث المجاعة في غزة ليس لغزا، وإنها كارثة من صنع البشر وفشل للبشرية. وأضاف في بيان صحفي أن المجاعة لا تتعلق فقط بالغذاء ولكنها انهيار متعمد للأنظمة الضرورية للبقاء على قيد الحياة.
وقال: "الناس يتضورون جوعا، الأطفال يموتون. ومن يتحملون واجب العمل، يفشلون. باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال، على إسرائيل التزامات لا لبس فيها بموجب القانون الدولي بما في ذلك واجب ضمان وصول الإمدادات الغذائية والطبية للسكان. لا يمكن أن نسمح باستمرار هذا الوضع بإفلات من العقاب".
وأكد غوتيريش في بيانه عدم السماح بمزيد من الأعذار وأن الوقت للعمل هو الآن وليس الغد. وقال: "نحتاج إلى الوقف الفوري لإطلاق النار، الإفراج فورا عن جميع الرهائن والوصول الإنساني الكامل بدون عوائق".
"التجويع، جريمة حرب"
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك ذكر أن المجاعة التي أعلنت اليوم في محافظة غزة هي نتيجة مباشرة لأفعال قامت بها الحكومة الإسرائيلية.
وقال: "إنها (الحكومة الإسرائيلية) فرضت قيودا، بشكل غير قانوني، على دخول وتوزيع المساعدات الإنسانية والبضائع الضرورية لبقاء السكان المدنيين في قطاع غزة على قيد الحياة".
وأشار تورك إلى حدوث وفيات نتيجة الجوع الشديد وسوء التغذية في أنحاء قطاع غزة. وقال إن "الجيش الإسرائيلي دمر بنية أساسية حيوية وجميع الأراضي الزراعية تقريبا وحظر الصيد وهجر السكان قسرا، وكل ذلك عوامل في هذه المجاعة".
وأضاف أن استخدام التجويع كأسلوب في الحرب، يعد جريمة حرب وأن الوفيات الناجمة عن ذلك قد تصل أيضا إلى جريمة الحرب المتمثلة في القتل المتعمد.
وشدد على ضرورة أن تتخذ السلطات الإسرائيلية خطوات فورية لإنهاء المجاعة في محافظة غزة ومنع مزيد من الخسائر البشرية في أنحاء القطاع. وأكد ضرورة أن تسمح إسرائيل بالدخول الفوري للمساعدات الإنسانية بكميات كافية، والوصول الإنساني الكامل للأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الأخرى.
"مجاعة سببتها القسوة وبررها الانتقام"
توم فليتشر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية وجه "مناشدة وطلبا" لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو "وأي شخص يمكن له الوصول إليه"، وقال: "كفى. أوقفوا إطلاق النار. افتحوا المعابر بالشمال والجنوب، كل المعابر. دعونا نُدخل الطعام والإمدادات الأخرى على نطاق واسع وبدون عوائق. أوقفوا الانتقام. لقد فات الأوان بالنسبة للكثيرين، ولكن ليس للجميع في غزة. كفى. من أجل الإنسانية اسمحوا لنا بالدخول".
وقال فليتشر إن المجاعة في غزة كان يمكن تجنبها "لو سُمح لنا، لكن الغذاء يتكدس على الحدود بسبب العرقلة المنهجية من إسرائيل".
وفي مؤتمر صحفي في مقر الأمم المتحدة في جنيف، قال فليتشر إن المجاعة حدثت في أرض خصبة وعلى بعد بضعة مئات من الأمتار عن مكان وجود الطعام، مجاعة تصيب الأضعف أولا، مجاعة تجبر الوالدين على اختيار مـَن من أطفالهم سيطعمون.
وأضاف منسق الأمم المتحدة للإغاثة الطارئة أن هذه المجاعة في القرن الحادي والعشرين، تحدث تحت مراقبة المُسيرات وأكثر التكنولوجيات العسكرية تطورا في التاريخ، "إنها مجاعة يُروج لها علنا بعض القادة الإسرائيليين كسلاح في الحرب".
وقال "إنها مجاعة متوقعة وكان يمكن منعها، سببتها القسوة، وبررها الانتقام، ومكنـّتها اللامبالاة وأدامها التواطؤ".
مطالب أممية بوقف إطلاق النار والسماح بالوصول الإنساني
المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة شو دونيو قال إن سكان غزة استنفدوا كل سبل البقاء الممكنة، وإن "الجوع وسوء التغذية يحصدان الأرواح يوميا. وزاد تدمير الأراضي الزراعية والثروة الحيوانية والدفيئات الزراعية ومصائد الأسماك وأنظمة إنتاج الغذاء من تفاقم الوضع. يجب أن تكون أولويتنا الآن توفير وصول آمن ومستدام للمساعدات الغذائية على نطاق واسع. فالحصول على الغذاء ليس امتيازا، بل حق أساسي من حقوق الإنسان".
سيندي ماكين المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي أكدت ضرورة السماح بالوصول الإنساني ووقف إطلاق النار، وقالت: "تحذيرات المجاعة كانت واضحة منذ أشهر. ما نحتاجه الآن بشكل عاجل هو زيادة المساعدات، وتوفير ظروف أكثر أمانا، وأنظمة توزيع فعّالة للوصول إلى من هم في أمس الحاجة إليها أينما كانوا. إن الوصول الكامل للمساعدات الإنسانية ووقف إطلاق النار الآن أمران حاسمان لإنقاذ الأرواح".
وقالت كاثرين راسل، المديرة التنفيذية لليونيسف: "كما حذرنا مرارا، كانت العلامات جلية: أطفال بأجساد هزيلة، ضعفاء جدا لا يستطيعون البكاء أو الأكل؛ رُضّع يموتون جوعا وأمراضا يمكن الوقاية منها؛ آباء يصلون إلى العيادات دون أن يتبقى لديهم ما يطعمون به أطفالهم. لا وقت لدينا لنضيعه. فبدون وقف فوري لإطلاق النار ووصول إنساني كامل، ستنتشر المجاعة، وسيموت مزيد من الأطفال. يحتاج الأطفال الذين هم على شفا المجاعة إلى التغذية العلاجية الخاصة التي تقدمها اليونيسف".
وأكد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس على أن "وقف إطلاق النار ضرورة مطلقة وأخلاقية الآن"، مضيفا: "لقد انتظر العالم طويلا، وهو يشاهد الوفيات المأساوية وغير الضرورية تتزايد بسبب هذه المجاعة التي هي من صنع الإنسان. إن سوء التغذية المتفشي يعني أنه حتى الأمراض الشائعة، والتي عادة ما تكون خفيفة، مثل الإسهال، أصبحت مميتة، وخاصة للأطفال. إن النظام الصحي، الذي يديره عاملون صحيون جائعون ومنهكون، لا يقوى على مواكبة الوضع".
وشدد على ضرورة تزويد غزة بالغذاء والأدوية على وجه السرعة لإنقاذ الأرواح وبدء عملية علاج سوء التغذية، مؤكدا أهمية حماية المستشفيات حتى تتمكن من مواصلة علاج المرضى، وإنهاء حظر المساعدات، واستعادة السلام، حتى يبدأ التعافي.
*ما هي المجاعة؟
المرحلة الخامسة من التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي (المجاعة) تعني الافتقار التام إلى إمكانية الحصول على الغذاء والاحتياجات الأساسية الأخرى. في هذه المرحلة تواجه الأسر نقصا حادا في الغذاء والاحتياجات الأساسية، حتى بعد تبني جميع تدابير التكيف الممكنة.
يموت ما لا يقل عن اثنين من كل 10 آلاف شخص؛ بسبب الجوع أو المرض في ظروف المجاعة.
يعاني أكثر من 30 بالمئة من السكان من سوء التغذية الحاد، ولا يوجد أي نوع من الدخل. لا يستطيع الناس سوى الوصول إلى مجموعة أو اثنتين من المجموعات الغذائية، وهناك نقص شديد في السعرات الحرارية للشخص الواحد يوميا. وتواجه 20% من الأسر نقصا حادا في الغذاء.