تجاوز إلى المحتوى الرئيسي

تورك يحذر من مساعٍ لخلق عالم أكثر خطورة، ويؤكد أن حقوق الإنسان توفر الاستقرار في عصر مضطرب

مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك.
UN Human Rights Council/Marie Bambi
مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك.
قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك إن المسار الحالي من تصعيد الصراع والتجاهل الصارخ لحقوق الإنسان الدولية والقانون الدولي الإنساني لا يمكن تبريره، محذرا مما وصفها بالخطوات الدراماتيكية لإضعاف الاتفاقيات العالمية التي أثبتت جدارتها على مدى عقود، "ولخلق عالم أكثر خطورة علينا جميعا". 

جاء هذا في كلمة ألقاها أمام الدورة التاسعة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التي انطلقت اليوم الاثنين، واستعرض خلالها تقريره عن آخر المستجدات العالمية. ووجه تورك عدة تساؤلات في بداية كلمته قائلا: "هل يمكننا أن نجلس مكتوفي الأيدي بينما يُقوَض الأمن والازدهار العالميان؟ وهل يمكننا المخاطرة بصراعٍ واسع النطاق بناء على تقييمات شخصية وأجندات للقادة".

وتحدث عن التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران الذي وصفه بأنه "مقلق للغاية"، داعيا إلى خفض التصعيد وإجراء مفاوضات دبلوماسية عاجلة لإنهاء هذه الهجمات وإيجاد سبيل للمضي قدما، والاحترام الكامل للقانون الدولي من كلا الجانبين، لا سيما حماية المدنيين في المناطق المكتظة بالسكان.

فلسطين ولبنان

وعن الوضع في غزة، قال المسؤول الأممي إن وسائل وأساليب إسرائيل الحربية تلحق معاناة مروعة وغير مقبولة بالفلسطينيين في غزة، مشيرا إلى مقتل أكثر من 55 ألف فلسطيني، بينهم آلاف الأطفال، وفقا لوزارة الصحة في غزة، وأن الهجمات لا تزال مستمرة بلا هوادة. وأضاف أن "إسرائيل حولت الغذاء إلى سلاح، ومنعت وصول المساعدات المنقذة للحياة".

وبالنسبة للوضع في الضفة الغربية، قال المفوض السامي لحقوق الإنسان: "لا يمر يوم دون هجمات من قبل قوات الأمن الإسرائيلية والمستوطنين، مما يؤدي إلى قتل واعتقال ونزوح الفلسطينيين قسرا. المستوطنات غير شرعية؛ والضم غير شرعي". وأشار أيضا إلى استمرار الهجمات على الإسرائيليين من قبل مسلحين فلسطينيين، في كل من إسرائيل والضفة الغربية المحتلة.

وأضاف تورك: "كل هذا مقلق للغاية. فالسلام المستدام لن يتحقق إلا بوقف فوري لإطلاق النار يفضي إلى حل الدولتين، مع كون غزة جزءا لا يتجزأ من دولة فلسطينية. يجب إطلاق سراح جميع الرهائن الإسرائيليين فورا ودون قيد أو شرط. كما يجب الإفراج عن جميع الفلسطينيين المحتجزين تعسفيا".

وأعرب عن القلق إزاء الغارات الجوية والطائرات المسيرة التي تشنها إسرائيل على لبنان، بما في ذلك جنوب بيروت، والتي أسفرت عن مقتل مدنيين وتدمير منازل ومرافق طبية، داعيا إلى الاحترام الكامل لوقف إطلاق النار لتمكين إعادة الإعمار، وعودة النازحين إلى ديارهم على جانبي الحدود.

توزيع وجبات غذائية ساخنة في خان يونس، جنوب قطاع غزة
© WFP/Jonathan Dumont

السودان واليمن

وعن الصراع في السودان، قال المسؤول الأممي إن "السودان ينزلق أكثر فأكثر في حالة من الفوضى وانعدام القانون، دون أن يحظى بالاهتمام الذي يتطلبه". وأضاف أن الأعمال العدائية في شمال دارفور وكردفان اشتدت واتسمت بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.

وقال تورك: "ما زلت أشعر بقلق بالغ إزاء الوضع في الفاشر، التي تخضع لحصار قوات الدعم السريع منذ أكثر من عام. وأشعر بالجزع إزاء انتشار العنف الجنسي، بما في ذلك ضد الأطفال، والهجمات على العاملين في المجال الإنساني".

وحث المجتمع الدولي على الضغط من أجل حل سياسي، ووقف تدفق الأسلحة، وكبح جماح المصالح التجارية التي تُؤجج هذا الصراع، مضيفا: "يجب محاسبة جميع الأطراف".

وعن اليمن، جدد تورك نداءه للحوثيين للإفراج الفوري وغير المشروط عن موظفي الأمم المتحدة ومنظمات المجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية، بمن فيهم ثمانية من موظفي مفوضية حقوق الإنسان، مشددا على أن هذه الاعتقالات تعد إهانة للمجتمع الدولي بأسره.

نازحة مع أطفالها في طريقهم إلى مخيم للنازحين بالقرب من الفاشر، عاصمة شمال دارفور.
© UNICEF/Shehzad Noorani

ليبيا وسوريا

وحذر تورك من أن "ليبيا على شفا الهاوية"، حيث تسببت الاشتباكات التي شهدتها طرابلس الشهر الماضي في سقوط العديد من الضحايا المدنيين، وهي تهدد عملية المصالحة الهشة. وقال إنه يشعر بالفزع إزاء استمرار الانتهاكات والتجاوزات ضد المهاجرين واللاجئين، داعيا السلطات إلى التحقيق في اكتشاف عشرات الجثث في مواقع الاحتجاز.

وعن الوضع في سوريا أشار إلى ما وصفها بالفرص المهمة الناجمة عن إعلان رفع العقوبات، إلى جانب إنشاء لجان وطنية للعدالة الانتقالية والمفقودين. لكنه أضاف: "أشعر بالقلق إزاء استمرار ورود تقارير عن العنف ضد بعض المجتمعات، وأحث على تعزيز تدابير الحماية والمساءلة".

أوكرانيا

بشأن أوكرانيا، قال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إنه مع تعثر محادثات وقف إطلاق النار، يتصاعد الصراع. وأضاف أن الخسائر المدنية ازدادت بشكل ملحوظ هذا العام، حيث استخدمت القوات المسلحة الروسية أسلحة بعيدة المدى ضد المدن والطائرات المسيرة في مناطق المواجهة. وأوضح أنه في حين جرت عمليات تبادل لأسرى الحرب، وفي بعض الحالات، محتجزين مدنيين، لا يزال الكثير منهم في الأسر.

وقال: "أحث روسيا وأوكرانيا على الالتزام بتبادل كامل لأسرى الحرب، والإفراج الفوري عن المدنيين الأوكرانيين المحتجزين في روسيا. نحن بحاجة ماسة إلى وقف إطلاق نار شامل يُفضي إلى اتفاق سلام يتماشى مع ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي".

قتل واختفاء المدافعين عن حقوق الإنسان

وتطرق مفوض حقوق الإنسان إلى ما يتعرض له المدافعون عن حقوق الإنسان والمجتمع المدني حول العالم، حيث أفاد "بمقتل أو اختفاء ما لا يقل عن 625 مدافعا عن حقوق الإنسان وعاملا في مجال الإعلام في عام 2024، وفقا للبيانات التي جمعها مكتبي. أي بمعدل شخص واحد كل 14 ساعة".

وقال إنه في العديد من الأماكن حول العالم، يتعرض المجتمع المدني ووسائل الإعلام للتشهير والمضايقة والإسكات، مشددا على أن "المجتمع المدني ووسائل الإعلام تحديدا هم من يحاسبون السلطة، ويجب حمايتهم".

وأوضح أنه في الصومال، يؤدي اعتقال واحتجاز الصحفيين والعاملين في مجال الإعلام إلى تقويض حرية التعبير وخلق مناخ من الخوف. وأعرب كذلك عن القلق الاعتقالات الجماعية، بما في ذلك اعتقال شخصيات معارضة، بتهم الفساد والإرهاب في تركيا. وعبر عن القلق البالغ إزاء استمرار قمع الأصوات المعارضة والمجتمع المدني والمحامين ووسائل الإعلام المستقلة في روسيا.

المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك في العاصمة الأوكرانية كييف في بداية زيارته للبلاد
OHCHR

التوترات الاجتماعية والتمييز المنهجي

وتحدث المفوض السامي عن تجذر التوترات الاجتماعية في التمييز المنهجي طويل الأمد القائم على العرق والدين والجنس والتوجه الجنسي والهوية الجنسية ووضع المهاجر والطبقة الاجتماعية وغيرها من الخصائص.

وأشار إلى أن سياسات معالجة هذا التمييز حققت نجاحات مهمة في جميع مناطق العالم، مضيفا: "يطلق البعض على هذه السياسات اسم سياسات التنوع والإنصاف والشمول، وأنا أُسميها الدفاع عن المساواة". وأضاف: "عندما ننظر إلى المقاومة ضد هذه السياسات، نراها على حقيقتها: تحريف جوهري يكشف عن قرار استراتيجي بالتضحية بالفئات الضعيفة".

ونبه إلى أن المنحدرين من أصل أفريقي لا يزالون يعانون، بشكل غير متناسب، من الاستخدام المفرط للقوة، بما في ذلك الوفيات على أيدي سلطات إنفاذ القانون، في البرازيل والولايات المتحدة وغيرهما. ولفت كذلك إلى البيانات التي تظهر أن "النساء في جميع أنحاء العالم يواجهن تمييزا بأكثر من ضعف المستوى الذي يواجهه الرجال".

خطابات وإجراءات مناهضة للمهاجرين

وعن أوضاع المهاجرين، قال تورك: "يُستهدَف المهاجرون واللاجئون أيضا بخطاب الكراهية والقيود القانونية غير العادلة وإلقاء اللوم على الآخرين وغير ذلك من أشكال التمييز في العديد من أنحاء العالم".

في تونس، قال تورك إن الخطابات المناهضة للمهاجرين من جانب المسؤولين الحكوميين أدت إلى تأجيج الهجمات الجسدية وحملات الكراهية عبر الإنترنت. وقال تورك إنه في الولايات المتحدة يُثير اعتقال وترحيل أعداد كبيرة من غير المواطنين، بما في ذلك إلى دول ثالثة، مخاوف جدية بشأن احترام حقوقهم.

وأضاف: "بينما يحتج الناس على هذه التطورات، أحث السلطات على احترام الحق في التجمع السلمي، وصون حقوق الإنسان في إنفاذ القانون، بما في ذلك الامتناع عن اللجوء إلى القوة العسكرية عندما تكون السلطات المدنية قادرة على الحفاظ على النظام العام".

لاجئون وطالبو اللجوء يجدون الأمان والمأوى في جرجيس، تونس.
© UNHCR/John Wessels

تداعيات فرض رسوم جمركية مرتفعة

وحذر تورك من أن العديد من أفقر سكان العالم يتخلفون عن الركب، حيث تتعرض حقوقهم في الغذاء والصحة ومستوى معيشي لائق للانتهاك، وتبتعد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 عن متناول اليد. وقال: "قد يبدو فرض الرسوم الجمركية المرتفعة مؤخرا أشبه بلعبة بوكر عالية المخاطر"، مضيفا: "لكن موجات الصدمة الناجمة عن حرب تجارية ستضرب أقل البلدان نموا بقوة تسونامي".

ونبه إلى أن فرض رسوم جمركية مرتفعة قد يؤدي إلى حرمان الكثيرين من الرعاية الصحية والتعليم والنظام الغذائي المغذي، مضيفا: "أشعر بقلق بالغ إزاء النهج الذي يُعامل أفقر سكان العالم كأضرار جانبية".

جانب مظلم

ولفت المسؤول الأممي إلى ما وصفه "الجانب المظلم" للتقنيات الرقمية وأنظمة الذكاء الاصطناعي. وقال إنه من المرجح أن استخدام الذكاء الاصطناعي في الأنظمة العسكرية قد ساهم بالفعل في سقوط أعداد كبيرة من الضحايا المدنيين، كما تشكل المراقبة الجماعية المُمكّنة بالذكاء الاصطناعي مخاطر جسيمة على الحق في الخصوصية وحرية التعبير.

وشدد على أن تنظيم هذه التكنولوجيا يتطلب الشفافية وانفتاح العقول والشمولية، مضيفا: "أرفض الحجة القائلة بأن حقوق الإنسان تخنق الابتكار بطريقة ما. على العكس تماما. لقد أدى الابتكار الذي يتجاهل حقوق الإنسان إلى عواقب وخيمة".

حضر الروبوت أميكا أثناء قمة الذكاء الاصطناعي من أجل الصالح العام في جنيف بسويسرا، في تموز/يوليو 2023.
UN Photo/Elma Okic

هجمات وخفض للتمويل

وأعرب المفوض السامي لحقوق الإنسان عن القلق البالغ إزاء "الهجمات على المؤسسات الدولية التي تدعم حقوقنا، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية". وقال إن فرض عقوبات على القضاة والمدعين العامين على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، لقيامهم بوظائفهم، يعد اعتداء على سيادة القانون ويقوض العدالة.

وعبر عن القلق البالغ أيضا إزاء "تخفيضات التمويل لمكتبي، ولآليات حقوق الإنسان، ولشركائنا في المجتمع المدني". وقال: "إن تخفيضات التمويل لمكتبي، وللمنظومة الأوسع لحقوق الإنسان، تُشعر الديكتاتوريين والمستبدين بالراحة".

"ليست ظاهرة عالمية"

وشدد المسؤول الأممي على أنه "على الرغم من أن هذا التراجع مقلق، إلا أنه يجب ألا ننخدع بالضجيج الإعلامي. هذه ليست ظاهرة عالمية".

وقال إن الغالبية العظمى من دول العالم لا تزال تدعم توسيع نطاق حقوق الإنسان والحريات الأساسية، مضيفا أن نصف سكان العالم يستفيدون الآن من مؤسسات وطنية فعالة لحقوق الإنسان، وقد تضاعف هذا الرقم ثلاث مرات خلال العقدين الماضيين.

وقال: "يبذل الشعبويون والسلطويون جهودا حثيثة، من خلال ما يُسمى بحروبهم الثقافية، لصرف انتباه الناس عن مشاكل اليوم الحقيقية. ولكن هناك بديلا. يكمن هذا البديل في تعزيز حقوق الإنسان، لا التقليل منها". وأضاف: "توفر حقوق الإنسان الاستقرار والأمن في عصرنا المضطرب. إنها جسر بين الحكومات والشعوب، وبين أجيال الماضي والحاضر والمستقبل".